main-image

إن للمعتقدات والقيم الثقافية قوة مذهلة، قادرة على التغلب على أكثر غرائز الإنسان أصالة، كغريزة حفاظ الإنسان على أفراد أسرته، حب الوالد الغريزي لابنته، مودة الأخ الحامية لأخته!

لا يكاد يمر شهر دون أن نصدم بقتل امرأة على يد قريب مباشر لها والذريعة دائما هي "حفظ الشرف". تختلف العوامل المؤدية للقتل بدافع الشرف: منها دخول الضحية في علاقة عاطفية أو ممارستها الجنس خارج إطار الزواج، أو حتى رفضها الزواج من شخص تختاره العائلة أو طلب الطلاق من الزوج حتى وإن كانت العلاقة مؤذية، حيث يعتبر طلب الطلاق تحديا للأب الذي رتب الزواج من الأصل. وقد استمات المتعاطفون مع قضية إسراء غريب على وسائل التواصل الاجتماعي في إثبات أنها لم تقم بعمل مخلّ للآداب والأعراف الاجتماعية، وأن الشاب الذي خرجت معه إلى المقهى كان خطيبها وبرفقة أخته. وكأن خروجها مع شاب يجهله الأهل سيكون مسوغا للعنف الواقع عليها وللضرب المفضي للموت وهو ما حدث فعلا للأسف. 

نعيش في مجتمع يتقبل إلى حد ما فكرة "جرائم الشرف" كونها مشفوعة بعذر الاستفزاز، وما هي إلا أعمال انتقامية يرتكبها أفراد الأسرة من الذكور ضد أفرادها من النساء الخارجات عن هيمنتهن، والذين يعتقد أنهم قد جلبوا "العار" للعائلة. مجرد تصور أن المرأة قد تصرفت بطريقة مهينة لعائلتها هو سبب كفيل بشن هجوم على جسدها ونفسيتها وحياتها.  تتطور ثقافة الشرف في ثقافة المجتمعات المأزومة والأماكن الي تتسم بالضعف الإقتصادي وغياب سيادة القانون حيث تكون السمعة أهم الأخلاقيات الاجتماعية الموجودة، وتحل محل جميع القيم الأخرى. أن تفقد "شرفك" في تلك الظروف يعني أن تصبح عاريا من المكانة الاجتماعية والفرص الاقتصادية، كما يعني إقصاءك مجتمعيا. يسعى الرجل، المقهور أحيانا، في هذه الثقافات للحصول على السمعة بأن يكون حازما وصارما ومسيطرا وخصوصا على نساء العائلة. هذا هو السبب الذي يجعل خروج المرأة عن سيطرته مسّا بالشرف المتصور ومصيره أسوأ من الموت. 

صورت العديد من المراجعات السمات النرجسية  والسايكوباتية في الجناة، والتي قد تتجلى في تجاهل صارخ لسلامة المرأة، وعدم الامتثال للقانون وانعدام الندم. وفي أحوال نادرة حملت أعمال العنف من هذا النوع إشارات إلى وجود أمراض نفسية. على سبيل المثال، قد يعاني الجاني من "اضطراب الإجهاد الحاد" وفيه قد يختبر أعراضا فصامية كالذهول العاطفي و فقدان للذاكرة و تبدد الشخصية والغربة عن الواقع. قد يكون هناك العديد من الاضطرابات النفسية التي تؤدي إلى القتل من هذا النوع كالفصام المرتبط بالغيرة المرضية أو الذهان الذي يتأثر باضطراب إدراكي.

بناء على ما سبق تظهر ضرورة التقييم النفسي الدقيق لمرتكبي جرائم القتل في هذه الحالات، مع مراعاة فهم الدوافع والمواقف الاجتماعية والثقافية لإجراء تقييم مختص وغير متحيز. مع التذكير بأن معظم مرتكبي هذه الجرائم لا يعانون من اعتلال نفسي يؤدي إلى تناقص المسؤولية وأن عملية التستر على هذه الأفعال تدفعنا للاعتقاد أن معظم الجناة لم يفقدوا استبصارهم للطبيعة الإجرامية لأفعالهم، لكنهم يعتقدون أن استعادة شرف العائلة أهم من تجنب العقوبات الجنائية.

وهنا أود التأكيد على أن للمختص النفسي دورا حيويا في مساعدة النظام القانوني حيث يستطيع تحديد مدى إدراك وأهلية المتهم كما أن له دورا مهما في تنوير رؤية مجتمعية  مسؤولة وواعية لا ترى شرفا في جرائم الشرف.

تطبيق الصحة النفسية من حاكيني

screenshot screenshot
app-store google-play

جلسات استشارة نفسية أونلاين، مع أمهر الاخصائيين النفسيين

screenshot screenshot

جرب برامج المساعدة الذاتية، والتي تحتوي على كورسات تأمل ويقظة ذهنية، تمارين عملية لتعزيز صحتك النفسية، بالاضافة لمعلومات عن الاضطرابات النفسية والشخصية

screenshot screenshot
app-store google-play

نقترح عليك المزيد من المقالات التي قد تثير اهتمامك

blog-image
أ. إحسان بكاري 24/01/2023
الاضطرابات النفسية
blog-image
أ. إحسان بكاري 24/12/2022
كيف النفسية؟