main-image

استوقفني منشور بواحدة من الصفحات على تطبيق الانستغرام، والتي عادة ما تنشر مضامين جدا قيمة ومهمة، لكل ما يتعلق بتربية الأطفال في جيل الطفولة المبكرة، ولكن للأسف الشديد، جزء من المضامين التي تنشر على هذه الصفحة من الممكن أن تكون خاطئة، ما يجعلها تتناقض كليا مع نظريات التطور النفسي السوي للأطفال.

وهذه المرة سأسمح لنفسي بأن استعمل عنوان المنشور وهو "ماما بتزبط كل الحياة" الذي كان يهدف إلى تشجيع الطفلة على مشاركة أمها بمشاعرها، بالذات إذا كان هناك أحد يضايقها، والأم تستعمل مثال تخبر فيه ابنتها: "أنها ذات مرة عندما كانت طفلة صغيرة، كان المقعد في المدرسة يضايقها، وفكرت بينها وبين نفسها بضرورة مشاركة هذا الأمر مع أمها، وعندما شاركتها، ذهبت الأم إلى المدرسة وغيروا لها المقعد، وهكذا أصبحت هي مرتاحة أكثر".

بالنسبة لي كأخصائية نفسية كان عنوان المنشور وما يحمله من مضامين مزعجا للغاية، وهذا ما دفعني إلى أن أكتب عن الموضوع، وأقول لكم في محاولة لتصويب المضامين التي جاء بها المنشور، أن الأم والأب لا يستطيعون أن يصلحوا كل شيء في الحياة، الحياة مليئة بالتحديات والصعوبات، لذلك تتلخص وظيفة الأهل بأن يعطوا أبناءهم قسم من الآليات والأدوات مع التأكيد على كلمة قسم، التي تمكنهم من معالجة مشاكلهم، الحياة كفيلة بأن تعلمهم الكثير من الأمور، فمسألة التعليم لا تقتصر على الأهل فقط.

لذلك بالرجوع إلى المثال المطروح في المنشور، إذا كان من الصعب على الابن أن يغير مقعده الدراسي أو كان من الصعب عليه مواجهة تحديات المدرسة، نعلمه أولا بأننا كأهل لا يكون متاح أمامنا التواجد معه في المدرسة في كل وقت، لذا عليه التفكير بمواجهة أي تحديات لوحده من خلال الوسائل المتاحة له، مثل أن يتوجه إلى المدير أو الجهة المسؤولة عن هذه الأمور في المدرسة لحل المشكلة، وإن لم تنجح هذه الوسيلة يتوجه إلى أهله، ومن المهم أن نجعله يدرك أن في بعض الظروف لا يوجد إمكانية لتغيير المقعد، وهنا يبرز الدور الهام للأهل في مساعدة أبنائهم على كيفية التأقلم مع الظروف، وكيفية التعامل مع أوضاع وظروف بالنسبة لنا غير مريحة.

يتحقق هذا الدور الهام للأهل عندما يعطوا أبناءهم الفرصة ليتحدثوا عما يشعرون به، وكم من الممكن أن يكون شعورهم أصعب في حال عدم القدرة على إيجاد حل لما يواجهون من مشكلات، من المهم أن يتعلموا بأن الحياة لا تسير دائما كما نريد، وأحيانا نملك القدرة على التغير، وأحيانا أخرى لا يكون باليد حيلة لإحداث أي تغيير، يجب أن نتقبل فكرة أن الحياة ليست دائما منطقية أو عادلة، وأنها مليئة بما هو جميل وجيد وما هو قبيح وسيء.

ورسالتي لكم كأم وكأخصائية نفسية، كونوا بجانب أطفالكم، اصغوا لهم، حاولوا أن تساعدوهم بقدر ما تستطيعون، لكن لا تعطوهم حماية مبالغ فيها تضعفهم، وتجردهم من قواهم الداخلية التي خلقت معهم، حتى يتعلموا كيف يتعاملون مع ضغوطات الحياة.

أول الأشخاص الذين عالجتهم عندما فتحت عيادتي، كانوا شباب وصبايا بعمر الثامنة عشر الذين تربوا مع مبدأ توفير الحماية الزائدة لهم نتيجة خوف الأهل، ما كان يدفع الأهل إلى تلبية أغلب احتياجاتهم حتى دون أن يطلبوها، والنتيجة كانت عند تعرض الأبناء لأول درس حقيقي تلقنهم إياه الحياة، يواجهون ذلك بخوفهم من المسؤولية، ما يجعلهم يعانون من حالة الخوف والاكتئاب. 

سوف أنهي بمقولة جبران خليل جبران الشهيرة: "ابنائكم ليسوا لكم، أبنائكم أبناء الحياة".

أحبوا أبناءكم لكن لا تطغوا عليهم، أطفالنا ليسوا بحاجة لبالغ دائم الشفقة أو الخوف عليهم من تحديات الحياة، بل هم بحاجة لبالغ يؤمن بقدراتهم، وقواهم الداخلية للتعامل مع هذه التحديات. حياتنا مليئة بالتحديات والمصاعب، آمنوا بقدرة أطفالكم على التعامل معها ولا تبقوا مشاعر الخوف أو الشفقة تجاههم، وحتى وإن كنتم لا تظهرون لأطفالكم خوفكم، هم قادرين على الشعور بذلك، أنا أؤمن بوجود حبل سري يربط بيننا وبين أطفالنا، ويجعلهم يشعرون بنا حتى دون الحاجة لأن نتكلم. الشفقة والخوف سوف يضعفهم وينسيهم قوتهم الداخلية، أعطوني مثال لقوى اكتشفتموها عند أطفالكم، عندما استطعتم أن تحرروهم من مخاوفكم.

اشترك مع منصة حاكيني للاستشارات النفسية اونلاين احصل على إرشادات من خلال برامج للمساعدة الذاتية او قم بالتحدث مع أفضل أخصائي العلاج النفسي، بما يشمل مختصين من المجال الاجتماعي، الزوجي، الاسري وغيرهم للاشتراك من هنا مجاناً.

تطبيق الصحة النفسية من حاكيني

screenshot screenshot
app-store google-play

جلسات استشارة نفسية أونلاين، مع أمهر الاخصائيين النفسيين

screenshot screenshot

جرب برامج المساعدة الذاتية، والتي تحتوي على كورسات تأمل ويقظة ذهنية، تمارين عملية لتعزيز صحتك النفسية، بالاضافة لمعلومات عن الاضطرابات النفسية والشخصية

screenshot screenshot
app-store google-play

نقترح عليك المزيد من المقالات التي قد تثير اهتمامك

blog-image
د. سماح جبر 01/10/2020
كيف النفسية؟
blog-image
أ. إحسان بكاري 06/10/2022
كيف النفسية؟
blog-image
د. سماح جبر 16/03/2021
العلاقات الزوجية