المرارة النفسية – اسباب و اعراض و علاج وعلاقتها بالحزن

main-image

تبدأ كل مرارة بالألم. وقد يكون ألمك العاطفي مرتبطًا باعتقادك بأن شخصًا ما (أو أيًا كان) قد تسبّب لك في هذا الأذى عمدًا: كارتكاب ظلم جسيم تجاهك، أو الإساءة إليك دون مبرّر أو إشعارك بالحزن. الغضب - والاستياء - هو ما يُحتمل أن نشعر به جميعًا عندما ندرك أن شخصًا آخر قد أساء إلينا بشكل خطير. وإذا تُرك هذا الغضب دون تنفيس، فقد يصبح في النهاية بمثابة القرحة الآكلة التي تُعرف بالمرارة.

لاستيعاب مفهوم المرارة النفسية على نحو أفضل، يجدر تعريفها أولاً. الشعور بالمرارة النفسية هو مزيج مُعقّد من مختلف المشاعر. حدّد العلماء ستة مشاعر إنسانية أساسية: التفاجؤ، والاشمئزاز، والسعادة، والحزن، والغضب، والخوف. وإذا فكّرت في الشعور بالمرارة، فربما تدرك أنها لا يقتصر على واحد فقط من تلك المشاعر الأساسية الستّ. من بين ما يجعل المرارة النفسية عاطفة معقدة هو أنها تتضمّن خيبة الأمل، أو ينجرّ عنها الشعور بالإحباط مع مرور الوقت، والذي بدوره قد يجلب معه شعورًا بالغضب أو الحزن. يصعب تحديد العواطف بدقة لأنه لا يمكن وضع معايير لشعور معيّن ضمن علم قائم على الحقائق. ومع ذلك، فمن المنطقي أن نستنتج أن الشعور بالمرارة النفسيّة ينطوي على مزيج من المشاعر، بما في ذلك الحزن والغضب وخيبة الأمل. توقّف لحظة وفكّر في شخص واحد في حياتك تعتبره شخصًا مريرًا. على الأرجح، يعتمد تقييمك على تصور أن هذا الفرد بعينه غالبًا ما يكون غاضبًا وحزينًا ومحبطًا، وأنه غالبُا ما يكون سلبيًا وميّالًا للصراع والشجار في تفاعلاته الاجتماعيّة.

ملخّص الأمر إذًا هو: تشير المرارة النفسية إلى حالة عاطفية عميقة الجذور وطويلة الأمد من الاستياء أو العداء أو السلبيّة تجاه شخص ما أو شيء ما. يمكن أن تنتج المرارة النفسية عن نزاعات لم يتم حلّها أو خيبات أمل أو الشعور بالظلم والإهانة، مما يؤدي إلى مشاعر الغضب أو الغيرة أو الانتقام.عندما يشعر شخص ما بالمرارة النفسية، فإنه يميل إلى التمسّك بالتجارب والأفكار والمشاعر السلبية، مما يجعل من الصعب عليه المضي قدمًا والتصالح مع وضعه. ويمكن أن يكون للمرارة آثار شديدة على صحة المرء النفسيّة والجسدية، حيث قد تؤدّي إلى الاكتئاب والقلق والعزلة الاجتماعية. علاوة على ذلك، يمكن أن تؤثر المرارة النفسيّة المطولة سلبًا على العلاقات، مما يعيق القدرة على الثقة والتواصل مع الآخرين.

أسباب المرارة النفسية

المرارة النفسية هي حالة عاطفيّة تتميّز بمشاعر سلبية قوية، مثل الاستياء والغضب والتشاؤم، يمكن أن تنبع من مصادر مختلفة، على غرار:

  1. الفشل المتكرّر: قد يؤدّي التعرّض المتكرّر لإخفاقات أو انتكاسات دون إيجاد طرق للتغلب عليها أو تجاوزها، والشعور المتواتر بخيبة الأمل إلى تطوير المرارة النفسيّة.

  2. الخيانة وعدم الولاء: يمكن أن يؤدّي التعرّض للخيانة من طرف شخص مُقرّب، على غرار صديق أو أحد أفراد الأسرة أو شريك الحياة، إلى الشعور بانعدام الثقة في الآخرين والانعزال، وهي من أعراض المرارة النفسيّة الشديدة .

  3. التوقّعات غير المُحقّقة: يمكن أن يؤدّي الفشل في تحقيق أهداف معيّنة أو بلوغ توقّعات غير واقعيّة إلى الشعور بالإحباط والفشل، مما قد تنتج عنه المرارة النفسيّة.

  4. الحسد والغيرة: يمكن أن تعزّز مقارنة الذات بالآخرين والشعور بالحسد من نجاحاتهم أو ممتلكاتهم من الاستياء وبالتالي المرارة النفسية .

  5. النزاعات التي لم يتم حلّها: يمكن أن تزيد النزاعات المستمرّة والتي لم تتم معالجتها وحلها من المرارة النفسية سواء على مستوى الأفراد أم الجماعات.

  6. الظلم أو القهر: يمكن أن يخلق التعرّض إلى المعاملة غير المُنصفة أو التعرّض للتمييز مثلًا على أساس العرق أو الجنس، أو الاحساس بالإهانة والتحقير، إلى خلق مشاعر المرارة النفسية تجاه المسؤولين أو حتى تجاه المجتمع ككل.

  7. الحزن والفقدان: يمكن أن يثير فقدان شخص عزيز أو شيء مهم  المرارة النفسية، خاصة إذا كان هناك تصور لدى الشخص بأن ما حدث لم يكن عادلًا.

لئن كان الشعور بالغضب أو الاستياء بعد التعرّض إلى الأذى أمرًا طبيعيّا، فمن المهم معرفة متى لم تعد هذه المشاعر صحّية. عندما تبدأ المرارة في الاستحواذ على النفسيّة ومنع صاحبها من عيش الحياة بشكل طبيعي، فمن المهم اتخاذ إجراءات لتقليل سيطرتها، من بينها التماس المساعدة المهنيّة من مقدم رعاية صحّية.

هل تنشأ المرارة النفسية من الحزن؟

يُصوّر بعض المنظرين المرارة النفسية على أنها استياء، وربما يكون الاستياء أقرب بناء عاطفي للمرارة، فعلى نطاق واسع، هو مرتبط بالغضب، وبالأثر التراكمي له على وجه الخصوص. يمكن وصف المرارة النفسيّة بشكل أفضل على أنها مزيج من اثنين من المشاعر الأساسية التي نوقشت سابقًا: الغضب والحزن. إذن نعم، يمكن أن تنشأ المرارة النفسية غالبًا من الحزن. عندما يعاني شخص ما من حزن طويل أو خيبة أمل بسبب مشاكل لم يتم حلّها أو توقّعات غير مستوفاة أو مظالم، فقد يؤدي ذلك إلى الشعور بالمرارة النفسية بمرور الوقت. ويمكن وصف العملية على النحو التالي:

  1. الحزن: في بداية الأمر، قد يشعر الشخص بالحزن بسبب حدث أو ظرف معين يسبّب الإحباط أو الألم العاطفي. قد يكون هذا نتيجة لفشل أو فقدان أو خيانة أو أي موقف آخر يبعث على مشاعر الحزن.

  2. استمرار العواطف: إذا لم يتمّ التعامل مع الحزن بشكل صحّي أو إذا بقيت المشاكل الأساسيّة دون حلّ، فقد تستمرّ المشاعر المرتبطة بالحدث المحزن وتشتد مع مرور الوقت.

  3. التحوّل إلى المرارة: مع استمرار الحزن وتداخله مع المشاعر السلبية الأخرى، على غرار الغضب أو الاستياء أو الحسد، يمكن أن يتحوّل تدريجياً إلى مرارة نفسيّة. قد يبدأ الشخص في التمسّك بهذه المشاعر السلبية، ويجد صعوبة في التخلي عنها أو المضي قدمًا.

  4. الإدراك السلبي: يمكن أن تغيّر المرارة النفسية تصور الشخص للعالم والناس من حوله. قد يصبح مع مرور الوقت أكثر تشاؤمًا أو أقلّ ثقة أو أكثر استياءًا، خاصّة كلما أدركوا الدوافع أو النوايا السلبيّة في تصرفات الآخرين.

  5. التأثير على العلاقات: يمكن أن تؤثر المرارة النفسية بشكل كبير على علاقة الشخص بمن هم حوله، مما يؤدي إلى نشوء النزاعات وتوتّر التفاعلات أو تفضيله العزلة بتعلّة حماية النفس من أذى الآخرين. وقد يجد الشخص صعوبة في الثقة بالآخرين أو تكوين علاقات جديدة.

غالبًا ما ينطوي التحرّر من المرارة النفسية على الاعتراف بالمشاعر الكامنة ومعالجتها، وطلب الدعم من الآخرين، والعمل على الأسباب الجذريّة للحزن. ويمكن أن يساعد الانخراط في الأنشطة التي تعزّز الشفاء العاطفي، بإشراف من الطبيب النفسي، في تجاوز المرارة النفسيّة وتنمية نظرة أكثر إيجابيّة للحياة.

أعراض المرارة النفسية 

يمكن أن تظهر المرارة في العديد من الأعراض التي يمكن تقسيمها إلى عاطفية وسلوكية وجسدية. قد تشمل بعض الأعراض الشائعة للمرارة النفسية التالي:

الأعراض العاطفية:

  • مشاعر الغضب الشديدة تجاه أفراد أو مواقف معينة.

  • استمرار الأفكار السلبية واجترار الماضي.

  • زيادة التهيج العاطفي وتعكّر المزاج.

  • الشعور بالانفصال العاطفي عن الآخرين أو الانعزال عن المجتمع.

  • الشعور بالظلم، ومقارنة المرء لنفسه بالآخرين بشكل سلبي ومتواتر.

  • مواجهة صعوبة في الثقة بالآخرين وتكوين علاقات جديدة على مختلف الأصعدة.

  • الشعور المستمرّ بالحزن أو اليأس.

الأعراض السلوكية:

  • الانخراط في السلوك العدواني السلبي أو كسر الخواطر.

  • تجنب أو الانسحاب من التفاعلات الاجتماعية.

  • مواجهة صعوبة في التخلّي عن الضغينة.

  • العجز عن مسامحة الآخرين.

  • مواجهة صعوبة في إيجاد المتعة أو الرضا في الأنشطة اليومية.

  • مواجهة صعوبة في الحفاظ على علاقات صحية بسبب المرارة النفسية التي تؤثر على التفاعلات.

الأعراض الجسدية:

  • زيادة مستويات التوتر في الجسم.

  • مواجهة صعوبة في النوم أو المعاناة من اضطرابات النوم.

  • أعراض القلق الجسدية، مثل تسارع دقات القلب أو التنفس السريع.

  • الإرهاق وانخفاض مستويات الطاقة بسبب العبء العاطفي للمرارة النفسية.

بغض النظر عن أسبابها، فإن المرارة النفسية هي أمر نحن أفضل حالًا بدونه؛ فلنركز إذًا على التخلص منها. ومن المهم أيضًا التعرّف على هذه الأعراض ومعالجتها بشكل استباقي. إذا كانت المرارة النفسيّة تؤثر بشكل كبير على صحتك العاطفية وحياتك اليومية، فإن طلب الدعم من الأصدقاء أو العائلة أو أخصائي الصحة النفسية يمكن أن يكون مفيدًا في معالجة هذه المشاعر وإيجاد طرق صحية للتعامل معها. تذكّر أن الشفاء من المرارة النفسية هو ممكن باستخدام الأدوات والدعم المناسبين.

علاج المرارة النفسية 

يتضمن علاج المرارة النفسية مزيجًا من العودة إلى الذات والفهم العاطفي واعتماد استراتيجيات التأقلم الصحية. فيما يلي بعض الخطوات التي يمكنك اتخاذها لمعالجة المرارة النفسية والتغلب عليها:

  1. الاعتراف والقبول: تقبل أنك تعاني من المرارة النفسية واعترف بالمشاعر التي تشعر بها. من الضروري أن تفهم أن هذه المشاعر طبيعية وتستحقّ الاهتمام. لكن على الرغم من أنك كنت ضحية لأحداث سيئة تركتك تشعر بالمرارة النفسية، أنت لست مضطرًا لتبني دور الضحية كجزء من هويتك.

  2. حدّد المحفّزات: فكّر في الأحداث أو المواقف المحددة التي أدت إلى مرارتك. يمكن أن يساعدك فهم الأسباب الجذرية على اكتساب نظرة ثاقبة لمشاعرك وتسهيل التعامل مع ذكرياتك عنها.

  3. تصالح مع الأسباب: للتغلب على المرارة والاستياء، عليك أن تتصالح مع الأسباب الكامنة وراء هذه المشاعر. غالبًا ما تترك المرارة النفسية بشكل خطير ودون معالجة في ذهن الشخص الذي يشعر بهذه الطريقة. فكّر في المرارة والاستياء اللذين تشعر بهما. واجه هذه المشاعر بشكل منطقي كأن تسأل نفسك عن سبب شعورك بهذه الطريقة، ومتى بدأت هذه المشاعر في الظهور.

  4. ابحث عن وجهة نظر: حاول الحصول على منظور أوسع للموقف. ضع في اعتبارك وجهة نظر الشخص الآخر أو العوامل الخارجية التي ربما تكون قد أثرت على الأحداث. يمكن أن يساعدك ذلك على فهم تعقيد الموقف وتقليل الشعور بالمرارة النفسية.

  5. قم بتنمية تعاطفك: حاول أن تتفهم مشاعر وماضي الآخرين. يمكن أن يساعدك التعاطف في إضفاء الطابع الإنساني على الأفراد أو المواقف التي ساهمت في مرارتك، مما يسهّل عليك التسامح معها. قد تساعدك محاولة فهم أسباب تصرف شخص ما بطريقة معينة على تقليل الاستياء. بمجرد أن تتمكن من رؤية هذه الإساءة بطريقة أكثر تعاطفًا، قد تتمكن من تقليل الاستياء الذي تحس به تجاهها.

  6. تدرّب على المغفرة: فكر في مسامحة الشخص أو الموقف الذي ساهم في مرارتك. لا يعني الغفران التغاضي عن الأفعال بل تحرير نفسك من العبء العاطفي الناتج عنها. أن تسأل نفسك كيف يمكنك أن تسامح فردًا ما هو أمر جيد يمكنك البدء به. وتذكر، المغفرة هي لك وليست لهم. كذلك فكر في الأوقات التي سامحك فيها أحدهم وحين شعرت بالذنب بشأن أخطائك. يمكن أن تكون المغفرة عملية صعبة، لكنها قد تؤدي إلى شفاء عاطفي ملحوظ.

  7. تخلّص من الضغائن: اعمل جاهدًا على التخلي عن ضغائنك واستيائك من الماضي. إن تمسّكك بالمشاعر السلبية بإمكانه أن يبقيك محاصرًا بالمرارة النفسية، ويمنعك من التجاوز والمضي قدمًا.

  8. مارس ثقافة الامتنان: الامتنان هو بمثابة دواء للمرارة النفسيّة. في حين أن تسمّم المرارة الحياة وتقطع الفرح، يعزز الامتنان الإيجابية والوعي الذاتي. ابدأ واختتم يومك بالامتنان، وذلك من خلال التفكير في كل النعم الموجودة في حياتك. حاول إيجاد السعادة حتى في أصغر الأمور؛ كراحة سريرك، وسهولة توافر الطعام والماء، ورائحة القهوة في الصباح.

  9. ضع تركيزك على نموّك الشخصي: وجه طاقتك نحو التنمية الشخصية وتحسين الذات. يمكن أن يمنحك تحديد الأهداف والعمل على تحقيقها إحساسًا بالهدف والإنجاز.

  10. تعرّف على أشخاص جدد: بما أنك تحاول أن تكون نسخة جديدة أكثر إيجابية من نفسك، فقد تجد السعادة في العثور على أشخاص جُدد وإيجابيين لمشاركة حياتك. ليس لقاء أشخاص جُدد ضروريًا لعلاج حياة مريرة، لكنه جزء من عملية التغلب على المرارة النفسية. فقط تذكر ألا تضفي مرارتك على علاقاتك الجديدة. الهدف هو أن تحيط نفسك بمن يساعدونك على أن تكون شخصًا أكثر سعادة - ويجب عليك معاملتهم بالمثل.

  11. انخرط في التمارين البدنية: تجعلك المرارة تنسحب من العالم وتنغمس في الأفكار والمشاعر السلبية. فيمكن للنشاط البدني من أي نوع تقريبًا مواجهة التأثيرات الجسدية الناتجة عن المرارة النفسية. أما عن نوع التمرين فهو أمر متروك لك. يمكنك أن تنتج تأثيرات إيجابية عن المشي يوميًا، أو ركوب الدراجة، أو الانضمام إلى فريق كرة القدم أو كرة السلة، أو التدرب في الصالة الرياضية، طالما كنت تمارسها بصفة منتظمة.

  12. اطلب الدعم: تحدّث إلى الأصدقاء، أو العائلة أو أخصائي مؤهل في الصحة النفسية، عن مشاعر المرارة النفسية التي تشعر بها. يمكن أن يكون التعيير عن مشاعرك بمثابة التنفيس وتوفر لك رؤى قيمة ودعمًا عاطفيًا.

والأهم من ذلك هو تذكر أن عملية التغلب على المرارة النفسية قد تستغرق وقتًا وجهدًا، فعليك التحلّي بالصبر والتسامح مع نفسك وترك مساحة لها للشفاء والنمو. أما إذا وجدت أن المرارة النفسية تؤثر بشدة على حياتك ورفاهيتك، فلا تتردد في طلب المساعدة المهنية من معالج أو مستشار. يمكن لهؤلاء تقديم التوجيه والدعم المصمم خصيصًا لحالتك الخاصة.

المرارة النفسية الحزن

تطبيق الصحة النفسية من حاكيني

screenshot screenshot
app-store google-play

جلسات استشارة نفسية أونلاين، مع أمهر الاخصائيين النفسيين

screenshot screenshot

جرب برامج المساعدة الذاتية، والتي تحتوي على كورسات تأمل ويقظة ذهنية، تمارين عملية لتعزيز صحتك النفسية، بالاضافة لمعلومات عن الاضطرابات النفسية والشخصية

screenshot screenshot
app-store google-play
first-separator second-separator

نقترح عليك المزيد من المقالات التي قد تثير اهتمامك