العلاقات الافتراضية عبر الانترنت

main-image

مع اجتياح فيروس كورونا (كوفيد 19) العالم وتعطيل جوانب كثيرة من حياتنا، اضطررنا للتأقلم مع هذه الجائحة بطرق مختلفة، وانكبّ الشباب على شاشاتهم ساعات أطول من المعتاد، سواءً للدراسة أو التسلية وملء الفراغ الذي فرضه علينا الحجر الصحي مما زاد من فرص الدخول في علاقات افتراضية عبر الانترنت.

وعلى غرار القول السائد: (نظرَةٌ فَابتِسامَةٌ فَسَلامٌ فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ) تتطوّر العلاقات عبر الإنترنت من إعجاب إلى "إيموجي" ثم تعليق ثم متابعة ثم محادثة ثم تعلّق يؤثر على الحياة النفسية والاجتماعية للأطراف المشتركة في هذا التواصل الى مرحلة تصل حد الإدمان.

الإنسان كائن اجتماعي، بمعنى أن لديه الحاجة لبناء العلاقات والتواصل، ولكن هذه العلاقات تتخذ شكلاً مغايراً في كل فترة عمرية، وتختلف الغايات التي تلبيها هذه العلاقات في عمر المراهقة عنها في عمر النضج. ففي حين تكون علاقات المراهق سطحيةً ومتعددة، تكون مثيلاتها أقل عددا وأكثر نضجا مع التقدم في العمر. وغالباً ما تكون علاقات المراهق أكثر عاطفةً وانفتاحاُ وتهوراً لكنها تصبح أكثر عقلانيةً مع اكتمال النضج وزيادة الوعي. وفي كل المراحل تلبّي التكنولوجيا هذه الحاجة بما توفره للمرء-دون أن يفارق بيته- من تطبيقات متنوعة ورائجة تسهل التواصل على شكل رسائل ومحادثات تستخدم النص والصورة والفيديو، وهنا يكمن التحدّي! إذ أن التكنولوجيا تحقق التواصل الفوري والمفتوح وغير المحدد بالمكان أو الوقت، وهذا يجعل تطوّر العلاقات ماراثونياً، فسرعان ما تتطور العلاقة من تعليق وإعجاب إلى محادثة خاصة تصبح سلوكاً يومياً وعلاقةً تعتاد عليها، وتكرّس لها وقتاً، وتؤثر على مزاجك، وقد تتعلق بصاحبها حتى دون أن تراه، وقد تبوح في هذه العلاقة بأكثر مما يجب.

لماذا يلجأ المراهقون لبناء علاقات افتراضية؟

خلال فترة البلوغ ، عندما يبدو جسمك فجأة جديدًا وغريبًا، وتكون مشاعرك شديدة ولا يمكن التنبؤ بها، فأنت ضعيف للغاية. عندما تبني علاقاتك في العالم الافتراضي فأنت تقدّم أفضل نسخة ممكنة من نفسك، تشارك صورك المفلترة بعناية وتوثق فقط أفضل اللحظات، والاحتفالات، والمواهب، والنجاحات وتجمّلها ما أمكن. وهكذا فأنت تقلل من احتمال وألم الرفض! وإذا لم تنجح العلاقة الافتراضية يكون التعافي والمضي قدمًا أسهل مقارنةً بفشل علاقة مع الشخص الواقعي. خلف الشاشة أنت تبدو أكثر وسامةً وجرأةً وجاذبيةً مما أنت عليه في الواقع، ولكن، كذلك الحال بالنسبة للطرف الآخر. فأنت لا تتعامل مع الصورة الحقيقية للشخص، بل النسخة المحسنة والمنقحة منه والتي من الممكن أن تكون كاذبة.

لا تصبح العلاقات حقيقية إلا إذا كشف كل طرف للأخر ما كان يخفيه أو يجمّله ثم شعر كل طرف بقبول الآخر له، بكل حقائقه، وليس فقط للجانب المبهر منه!

فقدان المعلومات الحسية ولغة الجسد في العلاقات الافتراضية.

تجمع الدراسات على أهمية التواصل الكلامي والجسدي في بناء وتطوير العلاقات الإنسانية. وهذا ما تفتقر له العلاقات الافتراضية، فهي لا تتيح لك فرصة قراءة لغة الجسد، وهذا يقلل من جودة العلاقة. في العالم الحقيقيي من الأسهل أن تكتشف إذا ما كان الطرف الآخرجيداً حقاً كما يظهر لك أم لا، وذلك بسبب فورية ردود الفعل وقراءة لغة الجسد، ونغمة الصوت ومدى التطابق بين أقوال الشخص وأفعاله.

من مزايا العلاقات الافتراضية:

  • إن علاقات الانترنت علاقات سهلة وفي متناول اليد، ولا يعيقها حدود الزمان والمكان. بعضها ينشأ وراء الشاشات وينتهي هناك، وبعضها يخرج إلى الواقع ويتحول إلى معرفةٍ أو صداقة أو علاقة رومانسية أو حتى شراكة تجارية. أنت لست مضطراً لاستئذان والديك ولارتياد المقاهي والنوادي والحفلات وتكبّد عناء المصروف والأماكن الصاخبة للبحث عن أصدقاء، فالانترنت يتيح لك فرصة التعرف والاستكشاف أولاً ثم اتخاذ قرار بالاستمرار وتطوير العلاقة وإخراجها للعالم الحقيقي.
  • يجمع الانترنت بين مزايا التواصل الهاتفي والرسائل والفيديو في آن واحد ودون تكبد عناء الخروج من البيت.
  • تسهل لنا التعرف على عدد كبير من الأشخاص الذين تختارهم بنفسك وبما يلائم احتياجاتك، أنت لست مضطراً للتعرف على هؤلاء من خلال الأهل أو الأصدقاء الذين يلعبون دور الوصي على علاقاتك. العالم الافتراضي يفتح لك باباً واسعاً من العلاقات المتنوّعة، ادخل منه بحذر.
  • يتيح الإنترنت لنا المجال لأن نكون منفتحين ونقوم بالتعارف، ونعبّر عن الغضب أوالحب أو الصداقة ونصرح بأفكارنا سياسياً ودينياً بصراحة وشجاعة أكبر من الميادين الواقعية لأن عواقبها ومخاطرها تبدوان أقل.
  • العلاقات الافتراضية لا تواجه عوائق مثل: التردد والتلعثم والرهاب الاجتماعي التي تعطل الإقدام على تكوين علاقة كما في العالم الحقيقي، كما أنها تزيد شعور الرضا عن الحياة وتعزز الثقة بالنفس لمن تكون ثقته في نفسه متدنية.
  • يتيح لنا المجال في إعادة النظر في أفكارنا وصقلها بما أننا سنعبر عنها مكتوبة، كما يسمح لنا بتعديلها فيما بعد أو حذفها أوالتراجع عنها.
  • إذا كنا ممن يمتلك مهارة الكتابة فإننا غالباً ما سنجيد التعبير عن أنفسنا في العالم الافتراضي أكثر من العالم الحقيقي.
  • يمكّننا العالم الافتراضي من ممارسة الأدوار التي نحبها والتي لا يتسنى لنا عملها في العالم الحقيقي.

من سيئات العلاقات الافتراضية:

  • كثير من الناس يجيدون التعبير اللفظي عن أنفسهم أكثر من التعبير الكتابي، فتكون فرص الإخفاق عندهم في العلاقات الافتراضية أكثر منها في العلاقات الحقيقية.
  • إذا كنا من ذلك النوع الذي يعبر عن نفسه لفظياً وجسدياً: فنستخدم الإيماءات، ونظرات العيون، وحركات الأيادي، فإن العالم الافتراضي لن يساعدنا على توظيف التعبير الجسدي. وسنكتفي فقط باستخدام الرموز والوجوه التعبيرية، وهذا قد يزيد فرصة إساءة الفهم خاصةً أنه ما من وسيلة لفهم نغمة الصوت وأحياناً السياق.
  • هناك احتمال كبير بأن نقع ضحية الكذب والخداع في الحياة الافتراضية وبنسبة أكبر منها في الواقع، كما أن الفرصة لحدوث سوء تفاهم في العلاقات الافتراضية أكبر منها في العالم الحقيقي.
  • التخلي عن العلاقات الافتراضية أسهل من التخلي عن العلاقات الحقيقية، فحذف صديق “واتسابي” أو معجب “فيسبوكي” لا يحتاج إلا لبضع ثوان دون خجل أو خوف من المواجهة.
  • مع الأسف يقوم بعض الناس بممارسة سلوكيات سيئة متخفّين في العالم الافتراضي ويخجلون من القيام بها في العالم الحقيقي ظناً منهم أنهم لن يكتشفوا، أو أنها لا تنطوي على عيب أو حرام طالما هي من وراء الشاشات، فتعبير الخيانة مثلاً في العالم الافتراضي فضفاض جداً ومحصور في الفعل الجسدي فقط.
  • إن الانجذاب الزائد للعلاقات الافتراضية قد ينجم عنه علاقات اجتماعية ضعيفة وغير متينة مع الوالدين والأهل وزملاء العمل.

قيّم علاقاتك الافتراضية

ليست الغاية من استعراض سيئات العلاقات الافتراضية هو التخويف أو ثنيك عن إنشاء علاقات افتراضية، ولكن، زيادة الوعي وتقديم المساعدة في حمايتك من الوقوع في مشكلات قبل حدوثها أو حل المشكلات عند وقوعها. لذا سيكون من الجيد أن تعيد النظر في علاقاتك الافتراضية وتقيّمها وتقرّر إذا كنت ستتبنى هذه العلاقة في الواقع أم لا.

  • ابحث جيداً عن الطرف الآخر:

لا تحكم على الآخرين من خلال منشوراتهم أو مايصرّحون به فقط، اجمع عن الشخص معلوماتٍ شخصية وتعرّف على وجهه من خلال مكالمة فيديو مثلاً، إذا تكرر رفضه فهو على الأغلب يخفي شيئاً، وإذا كان بينكما أصدقاء مشتركون فلا مانع من الاستقصاء عنه من خلال أصدقائكم، وقد يساعدك أن تبحث عنه في الانترنت: اسمه/صوره مثلاً، فإذا أشارت نتائج البحث إلى معلومات مختلفة فربما كانت المعلومات التي يقدمها لك مزيفة.

  • احتفظ بمعلوماتك الشخصية:

إذا ألحّ الطرف الآخر عليك بالحصول على معلومات شخصية: عنوانك، مدرستك، هاتفك، معلومات مفصلة عن بيتك وعائلتك، صوراً خاصةً لك، تفاصيل بطاقة الائتمان فهوغالباً مُغرض.

  • كلمات المرور غير قابلة للمشاركة:

لا تشارك أحداً مهما كان بكلمات المرورالخاصة بك. عند اختيار كلمة سر احرص على أن تكون ذات معنى لك حتى يسهل عليك تذكرها ولكن يصعب على غيرك التنبؤ بها.

  • إذا طلب أحدهم منك نقوداً، فلا تستجب حتى لو ادّعى بأن لديه حالة طارئة.
  • استعمل حدسك

بعض الناس قد يكون اللطف من سماتهم وآخرون يتخذون من اللطف وسيلةً لتحقيق مآرب أخرى، قد يكون الطرف الآخر من العلاقة مدّعياً، وأنت لا تعرف عنه أكثر مما يريدك أن تعرف، اقرأ ما بين السطور، وانتبه إذا كان هناك تناقض في كلامه بين محادثة وأخرى.

  • الموضوعات الساخنة خط أحمر:

لا تندفع وراء أي حديث يتضمن تلميحات أو تصريحات إباحية، ولا تستقبل أو تشارك أو ترسل صوراً ومعلومات في هذه المضامين.

  • كن حذراً عند استخدام التطبيقات التي قد تدلّ على موقعك الفعليّ، ولا تصرّح برقمك وتفاصيلك الشخصية، أمّن هاتفك بكلمة مرور أو بصمة واحرص على تفعيل التطبيقات التي تساعدك في البحث عن هاتفك في حال فقدانه.
  • تجنب اللقاء وجهاً لوجه إلا برفقة أحدهم وفي مكان عام.

وأخيرا، إن هذه المقال ليس دعوة للانكباب على الشاشات لإنشاء علاقات افتراضية، وليس دعاية مجانية لاستبدال العلاقات عبر الإنترنت بتلك الواقعية، بل هو عكس للواقع الذي نعيشه ومحاولة لتبيان أبعاده، بدلا من دفن رؤوسنا في التراب وادعاء عدم وجود تلك الظاهرة بين شبابنا.

اشترك مع منصة حاكيني للاستشارات النفسية اونلاين واحصل على إرشادات من خلال برامج للمساعدة الذاتية او قم بالتحدث مع أفضل أخصائي العلاج النفسي، بما يشمل مختصين من المجال الاجتماعي، الزوجي، الاسري وغيرهم للاشتراك من هنا مجاناً. حمل تطبيق الصحة النفسية الان على آب ستور وجوجل بليي

تطبيق الصحة النفسية من حاكيني

screenshot screenshot
app-store google-play

جلسات استشارة نفسية أونلاين، مع أمهر الاخصائيين النفسيين

screenshot screenshot

جرب برامج المساعدة الذاتية، والتي تحتوي على كورسات تأمل ويقظة ذهنية، تمارين عملية لتعزيز صحتك النفسية، بالاضافة لمعلومات عن الاضطرابات النفسية والشخصية

screenshot screenshot
app-store google-play

نقترح عليك المزيد من المقالات التي قد تثير اهتمامك

blog-image
أ. منيرفا مزاوي 04/07/2022
العلاقات المجتمعية
blog-image
بروفيسور مروان دويري 12/04/2022
كيف النفسية؟
blog-image
أ. إحسان بكاري 19/07/2022
العلاقات المجتمعية